مفهوم العمل الخيري في الإسلام - جمعية الشام لرعاية الأيتام

مفهوم العمل الخيري في الإسلام

مفهوم العمل الخيري في الإسلام

17-08-2025

 

يُعَدّ العمل الخيري في الإسلام ثقافة حضارية وسلوك إنساني راقٍ، وهو قيمة إنسانية وإيمانية رفيعة، يقوم بها المسلم بدافع من الرحمة والتكافل والرغبة في نيل رضا الله تعالى. وهو ليس مجرد نشاط مادي أو مبادرة عابرة، بل هو ثقافة حضارية وسلوك أصيل في حياة المسلم الصالح، وهو يعكس رسالة الإسلام في بناء الإنسان وإقامة مجتمع متماسك متعاون.

وقد ورد في القرآن الكريم الحثّ على الخير في مواضع متعددة، قال تعالى:
﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الحج: 77)،
وقال سبحانه: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ (آل عمران:104)،
وقال عز وجل: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾ (المائدة:48)،
وقال سبحانه: ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ﴾ (فاطر:32).

كما جعل الله المشاركة في أعمال البر والخير من علامات الإيمان، فقال تعالى: ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ (آل عمران:114).

ويشمل هذا المفهوم كل أشكال العطاء والبذل، سواء كان مادياً أو معنوياً. فهو ذلك الجهد الطيب الذي يخرج من القلب قبل اليد، يُقدَّم لوجه الله تعالى، لا طمعاً في مال ولا بحثاً عن مكسب دنيوي، وإنما رغبةً في مساعدة المحتاج، ورسم البسمة على وجه يتيم، أو مسنٍّ وحيد، أو مريض أنهكه الألم. قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ (الإنسان: 8).

فالعمل الخيري يشمل كل بذلٍ يُقصد به وجه الله تعالى؛ قد يكون مالاً، أو وقتاً، أو علماً، أو كلمة طيبة تعيد الأمل لقلب منكسر. قال رسول الله ﷺ: ( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ) (رواه البخاري ومسلم)، وقال ﷺ: ( من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله ) (رواه مسلم).

وقال ﷺ: ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة... والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) (مسلم،ح: 2699).

وقال ﷺ: ( مـا مـن مـسـلـم يغـرس غـرسا، أو يزرع زرعا، فـيـأكل منـه طـيـر أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة ) (البخاري، ح: 2320).

وقال ﷺ: ( من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر، أو يضع عنه ) (مسلم، ح: 1563).

وقال ﷺ: ( الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي القرابة اثنتان: صدقة، وصلة ) (ابن ماجه، ح: 1844).

فالمسلم يقدم الخير لكل محتاج، قريباً كان أم بعيداً، صديقاً أم عدواً، مسلماً أم غير مسلم، بل وحتى للحيوان، وذلك لعموم قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 215).

أما شمولية الرحمة في الإسلام فقد جسدها النبي ﷺ بقوله: ( والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تراحموا. قالوا: بلى يا رسول الله، كلنا رحيم. قال: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكن رحمة العامة ) (المستدرك للحاكم). والمراد بهذا أن الرحمة في الإسلام اتسعت لتشمل جميع الخلائق دون تفريق.

ومن صور تنوع العمل الخيري في الإسلام: مواساة الفقير والمسكين، إدخال السرور عليهم، مسح رأس اليتيم، قضاء حوائج الناس، وبث روح الثقة والأمل في النفوس. وقد أكد النبي ﷺ على تنوع أبواب الخير بقوله: ( على كل مسلم صدقة. قالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق. قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشر، فإنها له صدقة ) (صحيح البخاري، ح: 1427).

 

ماهية العمل الخيري:

يمكن تعريف العمل الخيري الإسلامي بأنه مبادرة يقوم بها الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات لتحقيق النفع العام، وتلبية حاجات الناس، وتخفيف معاناتهم، انسجاماً مع القيم الدينية والأخلاقية التي تدعو إلى الرحمة والتعاون والتضامن.

وقد أكّد القرآن الكريم والسنة النبوية على مكانته؛ قال تعالى: ﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ (آل عمران: 115)،
وقال الرسول ﷺ: «مَن دل على خير فله مثل أجر فاعله» (رواه مسلم).

 

خصائص العمل الخيري:

العمل الخيري ليس مجرد صدقة تُعطى أو طعام يُقدَّم، بل هو قيمة عظيمة تبني الإنسان والمجتمع معاً، وله خصائص مميزة تجعله مختلفاً عن غيره من الأعمال، ومن أبرزها:

1- هو عطاء بلا مقابل، يزرع المحبة في القلوب ويجعل الخير عادة لا استثناء.

قال تعالى: ﴿إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ (البقرة: 271).

2- يعلّمنا أن الإنسان مسؤول عن أخيه الإنسان، فلا يتركه يتألم وحيداً.

قال رسول الله ﷺ: «مَثَلُ المؤمنين في تَوادِّهم وتَراحُمِهم وتعاطُفِهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهر والحُمَّى» (رواه مسلم).

3- يرسّخ ثقافة التعاون والتكافل، ويقرب المسافات بين الناس مهما اختلفت ظروفهم.

4- يساهم في بناء المجتمع المستقر، فهو يسهم في تقليل الفجوة بين الفئات الغنية والفقيرة، ويؤسس لنهضة مجتمعية شاملة.

5- تعزيز دور المؤسسات الخيرية، ومد يد العون للمحتاجين وتنظيم الجهود التطوعية.

 

أهمية العمل الخيري:

يحمل العمل الخيري أبعاداً إنسانية واجتماعية واقتصادية، ويُعدّ ركيزة أساسية في استقرار المجتمعات. ومن أبرز أهميته:

1- يُحيي روح المشاركة بين الناس، فيشعر الغني بمسؤولية تجاه الفقير.

قال تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (الذاريات: 19).

2- يساهم في تقليل الفقر ويعيد للمحتاج كرامته، من خلال توفير الدعم المادي والمعنوي للفقراء.

3- يزرع في النفس حب العطاء، ويطهّرها من الأنانية وحب الذات، ويستشعر قيمة البذل والإحسان.

4- يحمي المجتمع من الانحراف والجرائم الناتجة عن الحاجة والحرمان، فبتحسين الظروف المعيشية للمحتاجين يقلّ الدافع نحو السلوكيات السلبية كالسرقة.

5- الأجمل أنه يعيد البهجة إلى قلب المعطي قبل الآخذ، فالمحسن يسعد بسعادته كما يسعد المحتاج بما ناله.

قال رسول الله ﷺ: «السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ» (رواه البخاري ومسلم).

6- يسعى لتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي، حيث يردم الفجوات بين الطبقات ويقوم تقوية الروابط الإنسانية.

 

أنواع العمل الخيري:

تتعدد صور العمل الخيري وأشكاله، وجميعها تسعى إلى تحقيق النفع العام وخدمة الإنسان، ومن أبرز أنواعه:

 

1- الصدقة والزكاة

تُعدّ من أهم الأعمال الخيرية التي حضّ عليها الدين الإسلامي، وجعلها وسيلة لحفظ كرامة الإنسان وتحقيق التكافل بين أفراد المجتمع. فالزكاة ركن من أركان الإسلام، تؤخذ من أموال الأغنياء لتُصرف في حاجات الفقراء والمحتاجين، بينما الصدقة تفتح أبواب الخير وتشيع روح المودة والتآخي. ومن صورها: التبرع لدور الأيتام، مساعدة الأرامل، دعم المبادرات التعليمية والصحية.

قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ (التوبة: 103).

 

2- التطوع

التطوع هو بذل الجهد والوقت والمهارات لخدمة الآخرين دون مقابل، وهو من أسمى أشكال العمل الخيري. يقوم المتطوعون بالمشاركة في حملات الإغاثة، وتوزيع المساعدات الغذائية، وتنظيم الفعاليات الاجتماعية، وتقديم الخدمات الصحية أو التعليمية في المناطق الفقيرة أو المنكوبة.

قال رسول الله ﷺ: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس» (رواه الطبراني).

 

3- الوقف الخيري

يُعد الوقف من أرقى صور العمل الخيري المستدام، حيث يخصص الإنسان جزءاً من ماله أو ممتلكاته لينتفع به الناس على مرّ الأجيال، مثل بناء المدارس، وحفر الآبار، وإنشاء المستشفيات والمكتبات العامة.

قال رسول الله ﷺ: «إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم).

 

4- المبادرات الاجتماعية

وهي المشاريع والأنشطة التي يطلقها أفراد أو مجموعات لخدمة المجتمع، مثل حملات التوعية الصحية، ودعم التعليم، ورعاية كبار السن وأطفال الشوارع، وكحملات النظافة، ورعاية الأيتام، وزيارة المرضى، ودعم الأرامل والمحتاجين. وكل مبادرة مهما كانت صغيرة، تصنع فرقاً كبيراً في حياة الآخرين.

 قال رسول الله ﷺ: «مَن نَفَّسَ عن مؤمن كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نَفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامة» (رواه مسلم).

 

باختصار، العمل الخيري الإسلامي هو مفهوم شامل ومتكامل يهدف إلى تحقيق التكافل الاجتماعي والتنمية المستدامة من خلال العطاء والبذل في سبيل الله تعالى، وخدمة المجتمع ورفعته، وهو حياة تُمنح للآخرين، وهو ليس مجرد جهد وقتي أو نشاط موسمي، بل أصل في ثقافة الانسان المسلم وهو ثقافة حضارية وسلوك إنساني راقٍ يساهم في نهضة الأمم، ويحقق الاستقرار والتوازن الاجتماعي. ومن خلال ترسيخ قيم العطاء والتكافل، يُمكن بناء مجتمع أكثر تماسكاً ورحمة، تسوده العدالة ويزدهر فيه الخير.

لذا يحرص المسلم على العمل الخيري ابتغاء الأجر والثواب من الله تعالى في الآخرة، بالإضافة إلى ما قد يجنيه من بركة في الدنيا.

فلنجعل من أعمالنا اليومية جسوراً من الخير والرحمة، ولنغرس في قلوب أبنائنا الحب والعطاء، حتى ينشأ جيل يعرف أن السعادة الحقيقية تكمن في إسعاد الآخرين.

 

إعداد محب الخير/ محمد شندي الراوي