توصيات للراغبين بالزواج من أمهات الأيتام - جمعية الشام لرعاية الأيتام

توصيات للراغبين بالزواج من أمهات الأيتام

توصيات للراغبين بالزواج من أمهات الأيتام

13-03-2021

توصيات للمقبلين على الزواج من أمهات الأيتام:

 

يمثل الزواج رابطة مقدسة وسنة كونية، وعندما يتعلق الأمر بالزواج من أمهات الأيتام، يكتسب هذا الفعل بعدًا إنسانيًا وأخرويًا عظيمًا، مشفوعًا بالأجر الجزيل لجوار النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا الباب من الخير، الذي يهدف في جوهره إلى توفير الاستقرار والرعاية لهذه الفئة الهشة من المجتمع، قد يشوبه في بعض الأحيان دوافع قاصرة أو تصورات غير واقعية، مما يؤدي إلى نتائج عكسية تلحق الضرر بالأم وأطفالها، وانطلاقًا من مسؤوليتنا تجاه هذه الأسر الكريمة، يقدم هذا المقال رؤية متكاملة وشاملة للراغبين في هذه الخطوة المباركة، مع مراعاة الجوانب الشرعية والإنسانية والاجتماعية والنفسية، ويهدف إلى وضع أسس واضحة وتوصيات عملية تضمن نجاح هذه الزيجات وتحقيق أهدافها النبيلة.

 

المعايير الأخلاقية والإنسانية التي يجب أن تحكم هذا النوع من الزواج:

يتطلب الزواج من أمهات الأيتام التزامًا بمعايير أخلاقية وإنسانية عالية، والتي تتجاوز مجرد تلبية الاحتياجات المادية لتشمل الجوانب العاطفية والنفسية والاجتماعية للأم وأطفالها،منها:

 - يجب أن يكون الدافع الأساسي للزواج هو توفير بيئة مستقرة وآمنة وداعمة للأيتام تضمن نموهم السليم وحمايتهم من أي ضرر.

 - التعامل مع الأم الأرملة بتقدير واحترام، وعدم استغلال ضعفها أو حاجتها، والنظر إليها كشريك كامل في الحياة.

 - إذا كان الرجل متزوجًا بالفعل، يجب عليه الالتزام الكامل بالعدل والمساواة بين زوجاته وأبنائهن، وتجنب أي شكل من أشكال التمييز.

 - يجب أن يكون الرجل واضحًا وصادقًا في نواياه وقدراته والتزاماته تجاه الأم وأطفالها منذ البداية.

 - يجب أن يكون الزواج مبنيًا على أساس الاستمرار والرعاية طويلة الأمد للأم وأطفالها، وليس مجرد حل مؤقت أو استغلال لحاجة.

 - يجب أن يكون الرجل مستعدًا لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأم والأيتام ومساعدتهم على تجاوز آثار الفقد والتكيف مع الحياة الجديدة.

 

- ليعلم الراغب في هذه الخطوة المباركة أن دافعه الأساسي يجب أن ينطلق من الرغبة الصادقة في إعفاف امرأة مسلمة والأجر في رعاية أيتامها، مستحضرًا الأجر العظيم المترتب على ذلك في الدنيا والآخرة، ويجب أن يصاحب هذه النية شعور عميق بالمسؤولية تجاه هذه الأسرة، والاستعداد لتحمل أعباء الرعاية والإنفاق والتربية، فمن سعى لإعفاف امرأة ورعاية أيتامها ابتغاء مرضاة الله، فإن الله تعالى سييسر له أمره ويفتح له أبواب الخير والرحمة.

 

- يجب أن يقوم الزواج على أساس من الثقة والاحترام المتبادل بين الزوجين، وعلى الأخ أن يثق في حسن تربية الأم لأبنائها وأن يقدر تضحياتها من أجلهم، وعلى الأم أن تثق في حسن نية الزوج وحرصه على مصلحة الأسرة بأكملها، والتواصل الصادق والمفتوح هو أساس بناء هذه الثقة.

 

- على الراغب أن يكون واقعيًا في توقعاته، وأن يعلم أن الزواج من أم الأيتام قد يصاحبه تحديات إضافية، سواء على صعيد العلاقة مع الزوجة الأولى وأبنائها (إن وجدوا)، أو على صعيد التعامل مع الأيتام واحتياجاتهم الخاصة، والاستعداد المسبق لمواجهة هذه التحديات بروح الصبر والحكمة والتفهم هو مفتاح تجاوزها بنجاح.

 

- يجب على الراغب في الزواج أن يمتلك القدرة المالية الكافية للإنفاق على كلا البيتين (إن كان متزوجًا) وعلى الأيتام بشكل كامل ومستدام، مع اعتبارهم جزءًا من مسؤوليته الشرعية، التقصير في الإنفاق على الأيتام أو التمييز بينهم وبين أبنائه (إن وجدوا) يعد إخلالًا بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية.

 

- لا ينبغي للراغب أن يهمل احتياجات الأم العاطفية، وأن لايصدق مقولة الأم بأن اهتمامه بأبنائها ونفقته عليهم يكفيها، أو أن زيارته لهم مرة في الأسبوع أو الشهر ترضيها، فالأم هي أنثى ذات احتياجات عاطفية وإنسانية طبيعية، وستتعلق به مع مرور الوقت وستتطلع إلى وجوده الدائم ومشاركته حياتها وحياة أبنائها، وتجاهل هذه الاحتياجات قد يؤدي إلى فتور العلاقة وخلق مشاكل مستقبلية.

 

- يجب على الراغب أن يكون حكيماً وواعيًا لاحتمالية تدخلات أهل الزوج السابق بحكم وجود أبنائهم، وكذلك تدخلات من أهل الزوجة الجديدة بدافع الطمع أو غيره، من الضروري وضع حدود واضحة للجميع منذ البداية، والتأكيد على استقلالية الحياة الزوجية الجديدة وحماية الأبناء من أي تأثيرات سلبية، مع ذلك، يجب التمييز بين التدخل السلبي والنصيحة الصادقة أو الدعم الإيجابي.

 

- لا ينبغي للراغب أن يعتقد أن مسؤولياته تنتهي بتأمين النفقة الأساسية، فالأم والأيتام يحتاجون إلى دعم معنوي ونفسي مستمر لمساعدتهم على تجاوز آثار الفقد والتكيف مع الحياة الجديدة، يشمل ذلك الاستماع إليهم، وتقديم الدعم العاطفي، والمشاركة في أنشطتهم، وتعزيز شعورهم بالأمان والانتماء.

 

- يجب على الراغب أن يكون على دراية بالتغيرات النفسة لأم الأيتام وبأن حالة الأرملة التي صبرت عن الزواج من أجل أبنائها تختلف عن حالها بعد الزواج، فهي تتهيأ نفسيًا للزوج وحبه واهتمامه، وأي إخفاق في هذه العلاقة أو فقدان لها (طلاق أو ترك) سيكون له تأثير نفسي كبير عليها، لذا، يجب التعامل مع هذه العلاقة بجدية ومسؤولية وحرص على استمرارها.

 

- يجب على الراغب بالزواج ألا يقدم على هذه الخطوة إلا بعد تفكير عميق واستشارة أهل الخبرة والثقة، والسؤال عن المتقدم للزواج من جميع الجوانب، وخاصة ما يتعلق بدينه وأخلاقه والتزامه بمسؤولياته الأسرية والإنسانية، وإن حسن الاختيار هو الضمان الأكبر لنجاح الزواج واستقرار الأسرة.

 

- يجب على الزوج الجديد أن يولي اهتمامًا خاصًا بالجانب التربوي للأيتام، وأن يسعى لتعويضهم عن فقدان الأب من خلال توفير القدوة الحسنة والرعاية الأبوية الحانية، والمساهمة الفعالة في تعليمهم وتنشئتهم على القيم والأخلاق الفاضلة.

 

- في نهاية المطاف، يتطلب الزواج من أم الأيتام صبرًا وحكمة وحسن تدبير للأمور، وقد تنشأ بعض التحديات والصعوبات، ولكن بالتفاهم والتعاون وحسن الظن يمكن تجاوزها وتحويلها إلى فرص لتقوية الروابط الأسرية وزيادة الأجر والثواب.

 

دور المجتمع ومؤسسات العمل الخيري:

يقع على مؤسسات العمل الخيري والمجتمعي دور هام في دعم هذه الزيجات المباركة وتأهيل الأطراف المعنية لضمان نجاحها واستدامتها، ويمكن لهذه المؤسسات أن تقدم:

- دورات تأهيلية للمقبلين على الزواج من أمهات الأيتام لتوعيتهم بالجوانب الشرعية والنفسية والاجتماعية والقانونية المتعلقة بهذا النوع من الزواج.

- برامج دعم نفسي واجتماعي للأمهات والأيتام لمساعدتهم على تجاوز آثار الفقد والتكيف مع الحياة الجديدة.

- مبادرات للمساعدة في تأسيس الحياة الزوجية الجديدة، من خلال توفير بعض المستلزمات الأساسية أو المساهمة في تكاليف الزواج.

- برامج توعية للمجتمع لتغيير النظرة السلبية المحتملة لهذا النوع من الزواج وتسليط الضوء على فضائله وأهميته.

- عدم قطع الكفالة عن الأيتام بعد زواج أمهم، بل الاستمرار في تقديم الدعم اللازم لهم لضمان عدم تأثرهم سلبًا بالزواج الجديد.

- توصية أهل الأرملة ومؤسسات المجتمع بالوقوف بجانبها وتقديم الدعم النفسي والمعنوي لها ولأبنائها، سواء قبل الزواج أو بعده، ويجب تسهيل عملية الزواج المناسب لها، وتقديم المشورة والتوجيه اللازمين، وعدم وضع العراقيل أو الشروط المجحفة التي قد تحول دون تحقيق الاستقرار لهذه الأسرة.

- إن قضية رعاية الأيتام والأرامل هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الأفراد والمجتمع والمؤسسات، إن تضافر الجهود والتكامل بين مختلف الأطراف المعنية هو السبيل الأمثل لتحقيق أفضل النتائج وتقديم الدعم الشامل والمستدام لهذه الأسر الكريمة.

- على الجهات المعنية والمؤسسات الدينية والاجتماعية تسهيل إجراءات الزواج للراغبين في الزواج من أمهات الأيتام، وإزالة أي عقبات بيروقراطية أو اجتماعية قد تعيق هذه الخطوة المباركة، مع ضمان حفظ حقوق جميع الأطراف.

 

خاتمة:

إن الزواج من أمهات الأيتام يحمل في طياته أجرًا عظيمًا وفرصة نبيلة للمساهمة في بناء مجتمع متكافل ومتراحم. ولكن تحقيق هذه الأهداف السامية يتطلب وعيًا وفهمًا عميقًا للمسؤوليات والتحديات المصاحبة لهذه الخطوة، وإن التفكير العميق والاستشارة وحسن الاختيار والاستعداد لتقديم الدعم المادي والمعنوي المستمر، بالإضافة إلى دور فاعل لمؤسسات المجتمع، هي الضمانات الحقيقية لنجاح هذه الزيجات واستقرار الأسر ورعاية الأيتام على الوجه الأمثل.

إن الزواج من أمهات الأيتام فرصة عظيمة لنيل الأجر والثواب والمساهمة في بناء مجتمع رحيم ومتكافل، فلنحرص على التعامل مع هذا الأمر بوعي ومسؤولية وإحسان، مسترشدين بتعاليم ديننا الحنيف وقيمنا الإنسانية النبيلة.

نسأل الله عز وجل أن يوفق كل من يسعى للخير والإحسان إلى أمهات الأيتام وأبنائهن، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يبارك في هذه الزيجات ويجعلها سببًا للسعادة والاستقرار والذرية الصالحة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

إعداد: محب وخادم الأيتام/ محمد شندي الراوي